نظّم مجلس نواب الشعب اليوم الأربعاء 03 جانفي 2024، ببادرة من الاكاديمية البرلمانية، يوما دراسيا برلمانيا حول موضوع "الأمن المائي في تونس في ظل التغيرات المناخية"، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وحضره السيد رضا قبوج كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المكلّف بالمياه، وعدد من إطارات الوزارة، والسيد الانور المرزوقي نائب رئيس مجلس نواب الشعب وعدد من النواب.
وإثر الكلمة الافتتاحية لرئيس مجلس نواب الشعب ، قدّم السيد رضا قبوج كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري المكلف بالمياه، مداخلة ثمّن فيها انشغال مجلس نواب الشعب بجميع القطاعات الحيوية وبحث السبل الكفيلة بإنقاذ منظومة المياه. وأشار بالمناسبة الى أهمية كميات الامطار التي سُجّلت مؤخّرا واثارها الإيجابية على مستوى زراعة الحبوب والزراعات البعلية لا سيما بالوسط والجنوب. وبيّن أن نسبة إمتلاء السدود بلغت 27 بالمائة، معتبرا أن هذه النسبة، رغم أهميتها، لم ترتق الى المعدل المطلوب.
وأكّد ان قيمة المخزون المائي تعدّ في المستوى المسجّل في السنة الماضية، غير أنّ الاشكال يكمن في كيفية توزيعه بين السدود لا سيما في ما يتعلّق بالمياه الصالحة للشرب. وأوضح أن الوزارة مستعدة لكافة الفرضيات المرتبطة بمعدلات كميات الامطار المنتظرة، مشيرا الى قيامها بربط العديد من الابار العميقة بشبكة الصوناد وعملها على تشخيص مشاكل التزود بالمياه الجوفية في كافة المعتمديات. واستعرض السيد فايز مسلم المدير العام للسدود والأشغال المائية الكبرى بوزارة الفلاحة، واقع الأمن المائي في تونس في ظل التغيّرات المناخية.
وقدّم مؤشرات وأرقام تبرز الموارد المائية سواء التقليدية أو غير التقليدية، مشيرا الى أن الموارد المائية السطحية بلغت 2700 مليون م3 سنويا، في حين بلغت الموارد المائية غير التقليدية والتي تتّصل بتحلية المياه وبمعالجة المياه المستعملة ، 350مليون م3 في السنة . وبيّن المدير العام للسدود أن الجمهورية التونسية تحتل المرتبة 30 عالميا من حيث ندرة المياه مقارنة مع بقية بلدان البحر الأبيض المتوسط. وانه، بالاعتماد على معدل حصّة الفرد من المياه البالغ 420 متر مكعب في السنة، تعدّ تونس تحت عتبة الشح المائي المقدّرة بــ 500 متر مكعب في السنة لكل ساكن. وأشار من جهة أخرى الى التحديات المطروحة الى جانب ندرة المياه وخاصة منها إشكالية سوء التوزيع الجغرافي للموارد المائية، و تواتر سنوات الجفاف حيث يعتبر الشمال الغربي للبلاد المورد الرئيسي للمياه السطحية. وأوضح أن وزارة الفلاحة اعتمدت على استراتيجية ربط السدود ببعضها وتحويل المياه لضمان توفير الموارد خاصة للمدن الكبرى والشريط الساحلي أين يرتفع الطلب.
كما تطرّق الى مخطّط العمل المعتمد لسنة 2024 ولا سيما في علاقة بمجابهة الشح المائي وإعطاء الأولوية لمياه الشرب.
واشار الى خطة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لمجابهة ذروة الاستهلاك خلال صائفة 2024، والمتمثلة في اعداد برنامج يحتوي على 83 تدخلا بمختلف ولايات الجمهورية. وأشار في هذا الصدد الى استغلال المياه الجوفية المتاحة عبر حفر آبار عميقة خاصة بالمناطق المزودة كليا بمياه جوفية، والقيام بعمليات الصيانة اللازمة مع تغيير وتجديد بعض تجهيزات الضخ، مع العمل على التوعية بترشيد الإستهلاك والاقتصاد في الماء، إضافة الى السعي الى إدخال محطتي تحلية مياه البحر بكل من الزارات و صفاقس حيز الاستغلال قبل صائفة 2024. وتطرّق السيد فايز مسلم الى مخطط العمل على المدى القريب بالوسط الريفي، مؤكّدا أنه سيتمثل في تأمين التزوّد بالماء الصالح للشرب لا سيما إتمام انجاز 114 مشروعا لفائدة 148 ألف ساكن قبل الصائفة المقبلة، إضافة الى معالجة مديونية عدد من المجامع المائية. واستعرض في السياق ذاته خطط العمل على المدى المتوسط خاصة المتعلّقة منها بمشاريع إعادة تهيئة المناطق السقوية العمومية لتحسين مردودية شبكات الري، وبالتالي تقليص ضياع المياه واستنزاف الموارد المائية.
وقدّم السيد رفيق العيني المدير بمكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة، عرضا عن الدراسة الاستراتيجية لقطاع المياه في أفق 2050 . وبيّن أنها تهدف الى تأمين التوازنات المائية والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، باعتماد التصرّف المندمج والمستديم في الموارد، مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي. وشدّد على أن هذه الدراسة سترتكز على تامين مياه الشرب كأولوية مطلقة وذلك حسب خصوصية كل إقليم . وبيّن أنها ستعتمد نموذجا ديناميكيا يأخذ بعين الاعتبار ضغوطات التأثيرات المناخية والديموغرافية و الاجتماعية والاقتصادية. وأوضح أن التصرف المستقبلي لإدارة المياه يجب أن يعتمد على النمذجة الاقتصادية المائية كأداة لدعم القرار والرؤية والاستراتيجية وإدارة الطلب.
وأفاد ان من مخرجات هذه الدراسة إعداد مخططات عملية تهم سنوات 2025/2023 و2030/2026 و2040/2031 ثم 2050/2041. وأضاف انه سيتم الاعتماد على التقنيات الحديثة للاقتصاد في المياه بالواحات وتعزيز الأمن الغذائي المستدام ومراقبة جودة المياه والتحكم في التلوث والتخفيف من حدة تأثيرات التغيرات المناخية، مع التوجه نحو الزراعات التي تتأقلم مع هذه الظاهرة والعمل على توحيد جميع مؤسسات "المياه" في دائرة واحدة. وتقدّم النواب الحاضرون في إطار النقاش العام جملة من الملاحظات والاستفسارات، مذكرين بأحقية المواطنين في الماء الصالح للشراب حسب ما نصّ عليه الدستور. وتساءل النواب عن الخارطة الفلاحية واستراتيجية الوزارة بخصوص إشكاليات استغلال المياه الجوفية عبر الابار العشوائية.
كما أشاروا الى اشكاليات المجامع المائية وديونها، داعين الى التعجيل بإيجاد الحلول اللازمة. وتطرقوا من جهة أخرى الى اختلال توزيع المياه بين السدود لا سيما سجنان والبراق. ودعوا في السياق ذاته الى أهمية التفكير في جودة المياه، منتقدين منظومة المياه المعلبة في ظل الشح المائي وكيفية استغلال هذه المياه الجوفية في غياب رقابة الدولة. كما انتقدوا تشتت المصالح الراجعة بالنظر الى قطاع المياه داعين الى أهمية ادراج منظومة المياه في إطار إدارة مركزية موحدة.
ودعوا الى تكثيف برامج التوعية والتثقيف لترشيد الثروة المائية. وأجمع النواب في تدخلاتهم على أهمية اعداد سياسة مائية أكثر نجاعة وضرورة سن مجلة للمياه تتضمن عقوبات صارمة لكل من يساهم في اهدار الماء، ولا سيما مراجعة خارطة الزراعات السقوية.